Sunday, May 20, 2012

خاطرة عن يوم مرهق: ما بين عصام العريان و النادي النوبي العام




تتسارع الاحداث في مصر في جميع الاتجاهات و يلهث المتابع تحت  وطأة المتابعة  التي لا تهدأ  و لو للحظة و علي الرغم من ذلك ، تظل بعض القضايا موسمية ، علي الرغم من اهميتها و ثقلها. هذا ملخص لوضع القضية النوبية في  الشأن العام المصري. فعلي الرغم من ان النوبة جرح لم يندمل بعد، الا انها لا تلقي الاهتمام اللازم من النخبة السياسية و تثار فقط عند الاستحقاقات السياسية. من الطبيعي بل و من المشروع ان يتزلف الساسة للنوبيين ، فهم كتلة تصويتية لا يستهان بها ، و ان كنت لا املك رقما للنوبيين ، فتعداد النوبيين " سر عسكري" لا يمكن الإفصاح عنه . اضف الي ذلك ان النوبة مثال للفكر العصبوي و القبلي فمن السهل تنظيمه و توحيده سياسيا  ، حيث يمارس كبار العائلات ادارة العملية السياسية و يعتبروا " القادة الطبيعيين " للنوبة ، و دائما ما تطبق الافكار الابوية التي تستبعد الاصغر سنا و النساء عن دائرة اتخاذ القرار. الي جانب تعامل البعض مع القضايا علي انها "دكانة " و هولاء دائما ما يتحولوا الي " متحدثين رسميين حصريين" عن القضية التي تهم ملايين النوبيين و كأنهم امتلكوا صك تفويض من الجميع.
اليوم كان يوما عصبيا علي ، فاليوم تعاملت و لاول مرة النوبيين العاملين في العمل العام المختلفين معي في التوجه و السن،  بدون رتوش المودة و اللطف  .و قد اثارت احداث اليوم العديد من الافكار و الشجون في عقلي . دعوني احكي لكم عن خلفية اليوم . جاءت احداث اليوم في خلفية اساءة عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية و العدالة للنوبيين ، حيث وصفهم بانهم " غزاة".  قد يتجادل البعض في مدي مصداقية هذه المقولة و قد يعلل البعض ان النوبيين حكموا مصر بالفعل. و لكن بالنسبة لي كدارسة علوم سياسية  لا اتوقف عن استخدام اقتراب تحليل المضمون ، و مفاده طرح سؤال من قال ماذا كيف و لماذا . القائل في هذا الحالة سياسي محنك كتب مقال و من المؤكد انه راجعها علي الاقل لغويا و من المفترض انه علي القدر الادني من الوعي الذي يسمح له بمعرفة ان الاسر النوبية تعد ضمن التاريخ المصري و الا لما تعتبر جزء من ال 30 اسرة التي يتكون منها التاريخ الفرعوني.  و انتقل لسؤال ماذا، صرح العريان اننا غزاة و هذا يتضمن في باطنه انك خارج اللحمة المصرية و انك غريب عنها، اما عن سؤال كيف فالعريان ساوي بين النوبيين و كل غزاة مصر و هذا غير حقيقي لان النوبيين اتوا الي مصر في لحظة اضحملال و احترموا عاداتها ، و اضف الي ذلك ان من النوبة انطلق احمس و سانده النوبيون لاستعادة مصر من براثن الهكسوس. و اخيرا لماذا، العريان صرح تصريحا لا اري له هذفا الا استعداء ابناء مصر علي  فصيل من المصريين ، فاذا نعت العريان النوبيين بالغزاة و ما الغزاة الا غلاظ القلب ، يأتوا علي الاخضر و اليابس ، فاي صورة ممكن ان تكون في عقل من يقرأ هذا الوصف.
و مرت ايام كثيرة و ابدي الكثيرين غضبهم ، الا ان الجهود كانت فردية و مبعثرة. و لم يقم النادي النوبي باي حركة جدية سوي نشر بيانات الشجب و الاستنكار و التهديد التي لا تحرك ساكن. و من الغريب مثلا ان في جولة  محمد مرسي مرشح الحرية و العدالة في اسوان ،اعتذر صفوت حجازي عن اساءة العريان و هو بالنسبة لي شئ غير منطقي بل و هزلي، فانا لا اجد اي سبب منطقي يمنع العريان ان يتعذر بنفسه عما بدر منه هو  . و توالت الاحداث و قام  بعض  اعضاء جماعة الاخوان النوبيين بالتحرك لتحسين منظر الجماعة و كانت طريقة رأب الصدع بالنسبة لهم ان يستضاف العريان في النادي النوبي العام ، الممثل المنتخب للنوبيين و  ليعتذر عما بدر منه. و تم الاعلان عن مؤتمر للاستضافة العريان اليوم الموافق 18 مايو 2012. و قد اثار ذلك غضب في قطاعات نوبية عديدة ، اهمها الشباب النوبي. و عكس تكاسل النادي النوبي ، تحرك الشباب بسرعة و انشأوا صفحة بمبادرة من الناشط النوبي رامي يحي ، تحت اسم  "نرفض استقبال العريان " . هنا تنتهي الخلفية عن  اليوم.
اما عن اليوم نفسه، تكتل الشباب باعداد لا تتجاوز العشرين رافضين السماح للعريان بدخول النادي ، فمن الغير منطقي ان يسبنا علي موقع قطاع الاخبار المصري الذي يتصفحه الملايين و يعتذر في النادي امام عشرات النوبيين. في البداية توجه الكبار الي الذكور و كنت وحدي انا و زميلتي ريم بشيري ، و كانوا يتجاهلونا بشكل واضح و ممنهج و المبرر الوحيد الذي غزي عقلي ، اننا نساء ليس لنا شأن بالسياسة و هذا ما تم نفيه في نفس اللحظة ، حيث ثارت ريم لكرامتها و بدأت تفند ارائهم المهادنة التي يحلو لهم وصفها بالدبلوماسية و اللباقة . و قد اصابتني العدوي و عبرت عما يجول بعقلي كما افعل دائما بحدة و عنف .  رأيت ديناميكات العلاقات شديدة الوضوح ، النجوم لم يهتموا بالحوار و كانوا يراقبون من نافذة النادي بحللهم شديدة الفخامة و يتحدثوا بلا توقف في الهاتف كما انهم يديروا مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية . كذلك بدت لي امور بفجاجة شديدة و منها علي سبيل المثال تقديس النوبيين  لكبير السن ، لدرجة ان مجرد ابداء شاب /ة لرأيها  تؤدي الي مشكلة ، علي الرغم ان من اهم مواصفات  العمل العام صراع الاجيال ، حيث يري الكبار انهم افنوا حياتهم في النضال من اجل القضية  و الشباب لم يقدموا ما قدموه من تضحيات و كان ذلك حين قال لي احدهم : " كنت فين من عشر سنين، عملتي ايه للنوبة" ، بغض النظر عن المزايدات الرخيصة الا ان فكرة التفضل بواجبك فكرة لا يستسيغها العقل.  و توالت التعليقات مثل " دي اخلاق النوبة يناتنا صوتهم يعلي!!!" و تعليقات اخري علي شاكلة " عيب انا قد ابوكي يا بنتي "  و قليل ما اشتبك اي منهم مع مضمون ما اقوله . و اخر تخيل انه اذا رفع صوته امامي سيرهبني ، للاسف اكتشف بالدليل القطعي انه يتعامل مع الشخص الخطأ، و كذلك حينما اقترب احدهم من رامي الذي بادر بفكرة منع العريان قائلا" ما تمشي البنات ، عيب كدة ، شكلنا ايه قدام العمارة"  . و نهاية كانت اسخف المزايدات من الاخوان النوبيين " انتوا كارهين عصام العريان عشان اخوان" و كان الرد المفهم لاحد الشباب " لو اكبر راس في اليسار غلط ما يلزمنيش"  و اختتمت الاساءات بالقول " الله يحرق الثورة اللي طلعت علينا الاشكال دي" .  بالنسبة لي عوامل النوع و السن و الايدولوجية كانت العوامل الفاصلة في الحوارات، هذا الي جانب قيد الهيراركية و التراتبية التي تجعلنا نعبد الابنية علي الرغم من انها لم تنجح يوما في ان تحتوينا و تعبر عننا.
المهم انتهينا الي ان تم الاتصال بالعريان لاعتذار عن استقباله و هو نصر قصير المدي للشباب و لكن يبقي الهدف هو الاعتذار في نفس مكان الاساءة و بنفس المساحة " بعد مرور ما يقرب من عام علي الاساءة "، و  كما تقتضي قواعد النشر . و ما اطرحه علي عصام العريان الا يقتصر مقاله علي المديح و العزف علي قلوب النوبيين ، ارجو منه توضيح موقفه و موقف حزب من قضية التعددية العرقية و ايضاح اذا كانت مدرجة علي جدول الحزب ام لا و ان كانت كيف سيحققونها.
 و لكن تبقي الغصة ، فالنادي النوبي سيبقي في عيني مكان للمواءات السياسية و مكان للابوية التي تتجاهل الشباب و النساء و مكان لا يحترم التعدد الفكري و الايدولوجي للنوبيين و مكان من السهل ان تزايد فيه علي الاخرين و تغمرهم بوابل من الاحكام الاخلاقية. ببساطة النادي النوبي ليس مكاني ، حتي اشعار اخر.

تحديث في 22 مايو: 
عصام العريان يتحايل و يحول المشكلة من خصومة مع حماعة اثنية الي خصومة ايديولوجية ...مدعيا ان اليسار هو من اثار هذه الازمة و قرر الا يعتذر ...  
لا تعتذر لتبقي الخصومة ابدية .....




No comments: